No Place on Earth Book

الكاتبة " كريستا فولف" تدعوك لقضاء أمسية صيفية ممتعة..آسرة في عام ١٨٠٤ بحفل أدبي يضم عدد من الحاضرين من بينهم الشاعرة "جوندروده" والكاتب المسرحي "كلايست"...هل لك أن تقبل الدعوة دون تردد ولو للحظة واحدة...؟
هل انسللت بين الستائر المنسدلة خلسة لكي لا يفوتك شيئاً من الكلمات المنفلتة..المتنقلة بين حوارات داخلية وأحاديث متبادلة...؟
تتساءل ولِما عليّ الاختباء إذا ما تلقيتُ دعوة للحضور ؟!
انصت لي إذن...لن يسعك أن تكون مكشوفاً ، بل إنك ستتمنى لو كنت لامرئياً لتقتفي الحديث المتبادل بين " جوندروده" و " كلايست" على ضفاف النهر ضد التيار....لتكن مستعداً إذن...
هو...تراءى لي كما لو أنه يحاول التشبث بجدران اليأس العارية الملساء...ينزلق..يتدحرج ...يتأرجح على حافة الهاوية..العالم...حيث يرفض الاستسلام للآخرين...
يعجز عن تحقيق التوازن الداخلي...فهناك تهشم...انكسارات روح...انهيارات لا صوت لها...راضخة للصمت الثقيل...
مكبلاً بقيوده الخاصة لا يحل أصفادها...غريباً مُهمشاً ، متألماً وحيداً...لا يتعرف عليه أحد...وهو يجهل الآخرين...
هى...تراءى لي بأنها زهرة في مرج يتراقص تحت أشعة الشمس بتضارب اللونين الأصفر والأخضر حيث الذبول والتفتح...تفرض حضورها ولو انزوت بأقصى زاوية منسية...
لصوتها رنين عذب..قوي...لم تكن تنطق بالكلمات إلا لتثبت احساسها المتعاظم باستقلاليتها...بذاتها...بتوقها للحرية..للحياة..وللموت...
امرأة تستولى على الاعترافات..تتلاعب بالكلمات...تلقيها إليك ثانية وقد تشكلت في سياق متجدد...حيوي....
تترفع عن متطلبات الحياة اليومية التافهة...تلقي بنفسها في الشعر...حيث الحياة هناك بإنتظارها..ولربما الموت...
تترقب رجل يصهر ذواتها المنفصلة في بوتقة واحدة... وبالرغم من ذلك تؤمن بأننا يُستبعد أن نُفهم....
تتصالح مع وجودها المحدود بالرغبة في مد أطرافه إلى مالانهاية....
كلاهما...يغرس أشواك التعرف على الذات عميقاً...ومن ثم ينسل كل منهما الأشواك بقساوة..بلامبالاة..توقاً للحرية...
كلاهما يعرف ما سيأتي من زمنٍ يطغى فيه العقل على الخيال..الآلة تهيمن على الروح...زمنٌ يغدو البكاء فيه مبتذلاً ولا مكان إلا للضحكات الصاخبة الفارغة....
بينما تختبىء أنت وراء احدى شجرات الصفصاف ، تهمس لهما : اقترب قليلاً...لا تبتعدي كثيراً...
اصمت...تحدثي...، لا تنكشف...اختبئي..
لا يتنكر كل منكما لذاته وللآخر...ليكن الجرح مفتوحاً...
ليكن صوتكما مسموعاً....
و الاستسلام مؤقتاً...انتصاراً للمقاومة...
لا يودع كلٌ منكما الآخر..لتواصلا المسير لاهثين...خائفين...يسحقكما الألم معاً....
وأخيراً ...
نحن نعرف أكثر مما ينبغي ..سيعتبروننا عجيبين..إيماننا الراسخ بأن قدر الانسان هو أن يُكمل نفسه...يتناقض تماماً مع روح كل العصور ..يفعل العالم ما هو أسهل له.. إنه يصمت...
نحن نعرف ما سيأتي....